الكليجة السورية: فن تحضير حلوى تراثية غنية بالنكهات والتاريخ

تعتبر الكليجة من أشهر الحلويات السورية التي تتميز بتاريخ عريق يمتد لقرون، وهي جزء من التراث الغذائي الغني في سوريا وخاصة في مناطق حلب وريفها. تمتاز هذه الحلوى بطعمها الفريد الذي يجمع بين العجينة الرقيقة والحشوة المحضرة من المكسرات والتوابل التي تعكس أصالة المطبخ السوري. تحظى الكليجة بمكانة خاصة في المناسبات والأعياد، وتعد من الحلويات التي يعشقها الكبار والصغار على حد سواء.

تعريف الكليجة وأصلها التاريخي

الكليجة هي نوع من المعجنات الحلوة، تختلف في مكوناتها وطريقة تحضيرها من منطقة لأخرى داخل سوريا، لكنها تشترك في أساسيات كثيرة مثل العجينة الطرية المحشوة بخليط من المكسرات أو الحبوب أو التمر مع إضافة توابل مميزة. يُعتقد أن أصل الكليجة يعود إلى العهد العثماني، حيث انتشرت بين المجتمعات الشامية وانتقلت عبر الأجيال كميراث ثقافي وتقاليد غذائية.

كانت الكليجة في الماضي رمزاً للكرم والضيافة، إذ كان يُقدم للضيوف في المناسبات الرسمية والاجتماعات العائلية، بالإضافة إلى أنها كانت من الحلويات التي تُعد في الأعياد مثل عيد الفطر وعيد الأضحى.

مكونات الكليجة السورية الأساسية

تتكون الكليجة السورية من مكونين رئيسيين: العجينة والحشوة، ولكل منهما مكوناته الخاصة التي تميز الكليجة السورية عن غيرها من الحلويات.

العجينة

• الدقيق: يعتبر الدقيق الأبيض الناعم هو العنصر الأساسي، ويجب أن يكون عالي الجودة للحصول على عجينة طرية وناعمة.

• الزيت أو السمنة: يستخدم عادة السمن البلدي أو الزيت النباتي، وهما يضيفان للعجينة الملمس الغني والطراوة.

• السميد: بعض الوصفات تضيف كمية من السميد لإضفاء ملمس مقرمش خفيف.

• البيكنج باودر: لتساعد في تخفيف العجينة ورفعها قليلاً.

• الماء أو الحليب: يُستخدم السائل لتكوين العجينة، حيث يمكن استخدام الماء أو الحليب بحسب الوصفة.

• الملح: كمية قليلة لتحسين نكهة العجينة.

الحشوة

تختلف الحشوة بين المناطق وبين الأذواق، لكن أكثر أنواع الحشوات شيوعاً:

• الجوز: مكسرات الجوز المفرومة ناعماً مع السكر والقرفة.

• السمسم: مع إضافة قليل من السكر أو العسل.

• التمر: خليط من التمر المهروس مع القليل من القرفة والسمسم أحياناً.

• الفستق الحلبي: مفروم مع السكر والبهارات أحياناً.

• الحلبة: في بعض الوصفات القديمة تُضاف الحلبة إلى الحشوة لتعطي نكهة مميزة.

• القرفة والهيل: توابل تعزز نكهة الحشوة وتعطيها طابعاً شرقياً خاصاً.

خطوات تحضير الكليجة السورية بالتفصيل

تحضير الكليجة يتطلب مهارة وصبر للحصول على العجينة المثالية والحشوة الغنية بالنكهة، وفيما يلي تفصيل لخطوات التحضير:

تحضير العجينة

1. في وعاء واسع، يُخلط الدقيق مع السميد والبيكنج باودر والملح.

2. يُضاف السمن أو الزيت تدريجياً مع الفرك بين اليدين حتى يتجانس المزيج ويشبه فتات الخبز.

3. يُضاف الماء أو الحليب تدريجياً مع العجن المستمر حتى تتكون عجينة طرية وناعمة غير لاصقة.

4. تُغطى العجينة وتُترك لترتاح لمدة نصف ساعة على الأقل حتى ترتاح ويصبح من السهل تشكيلها.

تحضير الحشوة

1. تُفرم المكسرات (الجوز، الفستق، السمسم) ناعماً.

2. يُخلط المكسرات مع السكر والقرفة والهيل حسب الرغبة.

3. في حالة استخدام التمر، يُهرس التمر جيداً ويُضاف إليه القليل من القرفة والسمسم.

4. يُخلط المزيج جيداً حتى يتجانس ويصبح جاهزاً للحشو.

تشكيل الكليجة

1. تُقسم العجينة إلى كرات صغيرة بحجم قبضة اليد.

2. تُفرد كل كرة على سطح مرشوش بالقليل من الدقيق لتكون رقيقة بشكل متساوٍ.

3. تُوضع ملعقة صغيرة من الحشوة في وسط العجينة المفرودة.

4. تُطوى العجينة فوق الحشوة وتُضغط الأطراف بإحكام لمنع خروج الحشوة أثناء الخبز.

5. تُشكل الكليجة بأشكال مختلفة حسب الرغبة، غالباً على شكل نصف دائرة أو مستطيلة صغيرة.

الخبز

• تُرص الكليجة على صينية مدهونة أو مغطاة بورق الخبز مع ترك مسافة بينها.

• تُخبز في فرن مُحمى مسبقاً على درجة حرارة 180-200 مئوية لمدة 15-20 دقيقة أو حتى يتحول لونها إلى الذهبي الفاتح.

• بعد الخبز، تُترك لتبرد ثم تُزين أحياناً بالسمسم المحمص أو تُرش عليها القليل من السكر الناعم.

الخصائص الغذائية للكليجة السورية

الكليجة بالرغم من طعمها الحلو والغني، تحمل قيمة غذائية لاحتوائها على المكسرات التي تزود الجسم بالبروتينات والدهون الصحية، إضافة إلى الألياف والفيتامينات والمعادن. تحتوي الكليجة على كمية معتدلة من السكر، ولكن يُفضل تناولها باعتدال ضمن نظام غذائي متوازن.

فيما يلي جدول يوضح القيمة الغذائية التقريبية للكليجة لكل 100 جرام:

الكليجة في الثقافة السورية

تُعتبر الكليجة أكثر من مجرد حلوى؛ فهي تعبير عن الترابط الاجتماعي والاحتفالات العائلية. تُحضّر الكليجة في البيوت السورية أثناء المناسبات الكبيرة، وغالباً ما تكون مناسبة للتجمعات العائلية، مما يعزز الروابط بين الأجيال ويُنقل التراث الغذائي من جيل إلى آخر.

تحتل الكليجة مكانة مهمة في الأسواق الشعبية والأسواق التقليدية في سوريا، وتُباع بكميات كبيرة خاصة في شهر رمضان والأعياد. كما توجد ورش ومصانع صغيرة مختصة بإنتاج الكليجة بمختلف أنواعها، محافظة على جودة ومذاق الحلوى التراثي.

النصائح للحفاظ على جودة الكليجة وطعمها

• استخدام مكونات طازجة وخاصة المكسرات للحفاظ على نكهة مميزة.

• عدم إضافة الكثير من السكر للحشوة للحفاظ على توازن الطعم.

• تخزين الكليجة في وعاء محكم الغلق في مكان بارد وجاف لمنع تبللها وفقدان قرمشتها.

• تسخين الكليجة قليلاً قبل التقديم لإعادة نكهة العجين والمكسرات.

الخاتمة

الكليجة السورية ليست مجرد حلوى، بل هي رمز ثقافي متجذر في عادات وتقاليد المجتمع السوري. تتميز بتنوع مكوناتها وأساليب تحضيرها، مما يعكس غنى التراث السوري في فنون الطهي. الحفاظ على وصفات الكليجة ونقلها بين الأجيال يسهم في استمرار هذا التراث الذي يجمع بين النكهة والتاريخ والدفء العائلي.

المصادر والمراجع

• كتاب “المطبخ السوري: تاريخ ونكهات”، تأليف د. خالد صالح، دار النشر السورية، 2018.

• الموقع الرسمي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) – قسم التغذية التقليدية.